هذا النمو السنوي في سرعة المعالجة هو المحرك الرئيس للتغير التكنولوجي والنمو الاقتصادي؛ على سبيل المثال، إذا اشتريت جهاز كمبيوتر اليوم فمن المحتمل أن يكون 32 مرة أسرع من أي جهاز كمبيوتر اشتريته في عام 2010.
لا يوجد مجال أو تقنية أخرى يحدث فيها الابتكار بهذه السرعة؛ على سبيل المثال السيارة العادية التي يمكنك شراؤها اليوم، أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة بنسبة مئوية بسيطة فقط من سيارات عام 2011.
التكيف أو الفشل، فهم التغيير التكنولوجي:
ما يزال معظم المهنيين يستخفون بقوة التغيير التكنولوجي، لكن لإدراك كم هم مخطئون يكفي أن تفكر في الأشياء التي يمكنك القيام بها الآن مقارنة بالسنوات القليلة الماضية.
على الرَّغم من أنَّنا نلاحظ فوراً مدى سرعة هاتفنا الذكي الجديد؛ لكنَّنا غالباً ما نغفل عن إدراك آثار ذلك في وظائفنا، فعندما يظهر نوع من التكنولوجيا الجديدة، هل تفكر كيف يمكن لهذه التقنية أن تحل محلك في وظيفتك؟
يتفق الناس أنَّ الذكاء الاصطناعي سيحل محل العديد من الوظائف عاجلاً أم آجلاً، حتَّى أنَّ ثمة ذكاءً اصطناعياً يكتب المقالات بالفعل، وقد نصل إلى مرحلة تجعل أجهزة الكمبيوتر والتطبيقات عملنا غير ضروري.
يبدو هذا كله مخيفاً؛ لكنَّه ليس كذلك، ربما لن يكون المستقبل كأحد أفلام الخيال العلمي الذي تتحكم فيه الروبوتات بالبشر، عوضاً عن ذلك من المرجح أن تصبح حياتنا أفضل بشرط أن نعرف كيفية استخدام التكنولوجيا بفاعلية.
ربما سنعمل أقل وسنتمكن من الاستمتاع بوقتنا أكثر، ويمكن أن يصبح لدينا المزيد من الوقت لقضائه في ممارسة الهوايات الإبداعية والثقافية، بالطبع هذه كلها مجرد حلمٍ الآن؛ لكنَّ التقدم التكنولوجي أكيد، ولضمان مستقبلنا يجب علينا التكيف أسرع مع التغيرات التكنولوجية؛ لذا سنستعرض في هذا المقال إطار عمل يهدف إلى تحسين قدرتك على التكيف.
إطار عمل “أدابت” (ADAPT):
يبدأ التكيف مع البيئات المتغيرة بتغيير طريقة تفكيرك، وهي الطريقة التي تنظر بها إلى العالم، ونظراً لأنَّ طريقة تفكيرك تحدد أفعالك، فإنَّ تغيير طريقة تفكيرك شرط أساسي لتغيير أفعالك.
اشتهرت “كارول دويك” (Carol Dweck) أستاذة علم النفس بجامعة ستانفورد (Stanford) بتمييز العقلية الثابتة من عقلية النمو، والعقلية الثابتة هي الاعتقاد أنَّ قدرات الفرد الأساسية وذكاءه ومواهبه هي سمات ثابتة ولا يستطيع أي أحد تغييرها، وعقلية النمو هي الاعتقاد أنَّ قدرات الفرد يمكن أن تتطور من خلال بذل الجهد وتلقي التعليم الجيد والمثابرة.
لا يمكن الاستفادة من إطار عمل “أدابت” (ADAPT) إلَّا إذا آمنت بالثانية؛ لأنَّه يتطلب فهم أنَّه يمكنك التكيف، ومن ثمَّ يرشدك إطار عمل “أدابت” (ADAPT) إلى كيفية التكيف، ويشير إلى:
- “تقبُّل” (Accept) أنَّ التقنيات الجديدة تغير الطريقة التي تعمل بها في العالم.
- “التخلي” (Discontinue) عن اتباع الأساليب والأفكار والتكتيكات القديمة.
- “اكتساب” (Acquire) مهارات جديدة تساعدك على تقديم قيمة في المستقبل.
- “التقدم” (Progress) يومياً والمواظبة على التعلم.
- “تتبُّع” (Track) التغييرات الجديدة في البيئة.
شاهد بالفديو: 7 استراتيجيات لتطوير عقلية النمو إذا كنت تمتلك عقلية ثابتة
5 خطوات لتطبيق إطار عمل “أدابت” (ADAPT):
الخطوة الأولى، تقبُّل أنَّ التكنولوجيا تغيِّر العالم:
نفترض عادة أنَّ التعليم هو رحلة لها نهاية؛ فعندما نتخرج ونحصل على شهادتنا نكون قد انتهينا، لكنَّ هذا خطأ، ويجب أن نقبل أنَّنا لا ننتهي من التعلم أبداً، ولأنَّك جزء من الاقتصاد يجب أن تستمر في التعلم؛ لذا فالخطوة الأولى هي قبول أنَّك لن تنتهي من التعلم؛ لأنَّ العالم لا يتوقف عن التغير.
ما تعلمته قبل بضع سنوات لم يعد مفيداً اليوم، لكن ثمة كثير من الناس الذين ما يزالون يعتمدون ما تعلموه قبل عقد من الزمن في الجامعة؛ على سبيل المثال، كان طلاب إدارة الأعمال يظنون حتَّى وقت قريب أنَّ الشركة لا يمكن أن تكون مورداً منخفض التكلفة ومميزاً في الوقت نفسه.
لكن بعد ذلك سهَّلت التكنولوجيا على الشركات تقديم قيمة أكبر بسعر أقل؛ لذا يجب أن نتخلص من هذا المُعتَقَد القديم، لكن في الواقع يوجد الملايين من طلاب كليات إدارة الأعمال السابقين الذين لم يغيروا نظرتهم.
تقبَّل أنَّ كثيراً ممَّا تعلمته لم يعد مفيداً اليوم، فمن دون تقبُّل أنَّ العالم يتغير كل يوم لا يمكننا أبداً التكيف، واليوم أصبح من المنطقي الافتراض أنَّ العالم يتغير يومياً فعلاً من خلال إنشاء شركات وظهور مجالات جديدة كل لحظة.
الخطوة الثانية، التخلي عن المعتقدات القديمة:
كن مستعداً للتخلي عن معتقداتك القديمة عندما لا تعود مفيدة، ففي كثير من الأحيان نحن نتشبث بالأفكار القديمة التي أفادتنا في الماضي؛ على سبيل المثال، ربَّما استخدم المدير التنفيذي أفكاراً في استراتيجية تنافسية حققت كثيراً من الأرباح في الماضي؛ لكنَّ النتائج في الماضي لا تضمن النتائج نفسها في المستقبل.
للتكيف مع الحاضر والمستقبل يجب أن نتخلى دائماً عن بعض المعتقدات والأفكار والعمليات والاستراتيجيات والتكتيكات القديمة؛ وذلك لإفساح المجال للجديد منها.
على سبيل المثال، في مجال نشر الكتب على الرَّغم من أنَّ أسلوب النشر التقليدي ما يزال يحظى بكثير من الشعبية إلَّا أنَّه ليس بالضرورة أكثر الأساليب ربحية للمؤلفين؛ فالخيار الأفضل حالياً هو النشر الذاتي للكتب عالية الجودة، وقد تظهر استراتيجية أفضل مجدداً في المستقبل، وللتكيف مع ذلك يجب أن نتخلى عن بعض الأساليب التي يطبقها الآخرون؛ فمجرد أنَّ معظم الناس يفعلون شيئاً ما لا يعني أنَّه صحيح.
الخطوة الثالثة، اكتساب مهارات جديدة:
بمجرد التوقف عن اتباع استراتيجية قديمة يجب أن تكتسب مهارات جديدة لإنشاء استراتيجية جديدة، ولا يمكنك أن تأمل في الحصول على نتيجة مختلفة مستخدماً مهاراتك الحالية نفسها.
مع ذلك يواصل معظم الناس إنشاء استراتيجيات جديدة معتمدين أفكارهم ومهاراتهم الحالية، لكن كيف لك أن تتوقع نتيجة مختلفة إذا استخدمت المهارات السابقة نفسها؟ عوضاً عن ذلك يجب أن تكتسب مهارات ومعلومات جديدة.
لكن كي تكون قادراً على التكيف، يجب عليك أن تفعل أكثر من ذلك، أهم شيء هو أن تفكر في مجالك وأهدافك ومتطلباتك؛ على سبيل المثال، عندما تقرر اتباع أسلوب النشر الذاتي ستحتاج إلى اكتساب مهارات جديدة، مثل تصميم الصور وتحرير النصوص والتصميم الداخلي للكتب وما إلى ذلك.
ثمة فكرة خاطئة عن التكيف مع التكنولوجيا؛ فيظن معظم الناس أنَّك بحاجة إلى تعلُّم البرمجة؛ لكنَّ هذا ليس صحيحاً، أنت تحتاج فقط إلى فهم أساسيات البرمجة لتكون توقعاتك من التكنولوجيا منطقية.
على سبيل المثال، عند إدارة شركة إنشاء أنظمة تشغيل للغسالات والمجففات الذكية، أنت لست مضطراً إلى معرفة كيفية برمجة أنظمة التشغيل هذه؛ بل يجب أن تعرف فقط آلية عملها، وأنَّك لا يمكنك تحميل البيانات مباشرة من الغسالة إلى السحابة الإلكترونية، ويجب أن تعرف أنَّه يجب أولاً تخزين البيانات في قاعدة بيانات وإنشاء واجهة أمامية وقراءة البيانات وعرضها بشكل مرئي للعملاء.
البرمجة نشاط متسلسل، لا يمكنك الانتقال من النقطة “أ” إلى النقطة “د” دون المرور بالنقاط “ب” و”ج”، فأساس البرمجة هو التفكير المنطقي وحل المشكلات.
لا تتعلق هذه الخطوة فقط بالبرمجة؛ بل يتعلق الأمر بالاستعداد لاكتساب مهارات جديدة من شأنها أن تفيدك اليوم وربَّما في المستقبل، ويجب أن تقرر أنت ما المهارات التي يجب أن تكتسبها.
الخطوة الرابعة، التقدم والمواظبة على التعلم:
لا يكفي اكتساب مهارات جديدة فقط، يجب عليك أيضاً تطوير المهارات التي لديك بالفعل؛ على سبيل المثال إذا كنت تعمل في مجال الكتابة، فيمكنك أن تتعلم أكثر عن كتابة الإعلانات وكتابة القصص الخيالية وكتابة السيناريو وغيرها، يجب أن تتعلم قليلاً من كل التخصصات، ليس لمتابعة مهن مختلفة لكن لمجرد تعلُّم أشياء جديدة من التخصصات الأخرى.
إذا كنت لا تتعلم المزيد عن المهارات المرتبطة بحياتك المهنية، لن تكون قادراً على التكيف؛ لكنَّنا غالباً ما نغفل عن ذلك فنشغل أيامنا بالعمل ولا نعطي أهمية كافية للتعلم.
بالتأكيد من الرائع استخدام إطار عمل “أدابت” (ADAPT) لاكتساب مهارات جديدة، لكن يجب ألَّا ينسى المرء أبداً مهاراته الحالية؛ ولضمان استمرارك في التطور، حدد أهم المهارات في حياتك المهنية؛ على سبيل المثال، إذا كنت تعمل في مجال المبيعات أو التسويق فمن المحتمل أن تكون مهارتك الأساسية هي الإقناع، وإذا كنت في دور قيادي، فمن المحتمل أن تكون مهاراتك الأساسية مرتبطة بفهم علم النفس البشري.
لا ترتبط المهارة دائماً بنشاط معين بالتأكيد الكتابة، التصميم، البرمجة، البيع، الإدارة كلها مهارات، لكن كذلك الأمر بالنسبة إلى علم النفس والذكاء العاطفي والفلسفة والإصغاء وما إلى ذلك، فالمهارة هي أي شيء أنت بارع فيه، وللاستمرار في كونك بارعاً يجب أن تطورها دائماً.
الخطوة الخامسة، تتبع التغيرات الجديدة:
عندما تطوِّر مهاراتك، يجب عليك أيضاً تتبُّع التغييرات في بيئتك، لا يمكنك أن تتوقع إجراء تغيير مرة واحدة في العام معتقداً أنَّ ذلك كافٍ، يجب على المرء أن يكون مستعداً دائماً لأشياء جديدة قد تغير العالم.
عادة ما تحصل هذه الأشياء دون سابق إنذار؛ على سبيل المثال، عندما توقَّع العديد من الناس جائحة عالمية لسنوات في عام 2020 فاجأت جائحة كوفيد-19 معظمنا؛ لهذا السبب يجب أن تتبع بيئتك ومجالك والاقتصاد العالمي من خلال مراقبة البيانات الاقتصادية والاستطلاعات وسلوك الناس.
لا تعتمد كثيراً على الأخبار؛ فكر بنفسك ولاحظ الناس من حولك كيف يعملون ويعيشون ويتصرفون، هذا مؤشر أهم، ومن الهام القراءة على نطاق واسع وإلقاء نظرة على المجالات المختلفة، وتجنُّب حصر نفسك داخل دائرتك الصغيرة، ففي بعض الأحيان يكون مجالك آخر ما يتغير وأحياناً يكون الأول؛ لذا من خلال الاطلاع على ما تفعله الشركات الأخرى، يمكنك التنبؤ بما سيحدث في مجالك.
على سبيل المثال، قال الرئيس التنفيذي لشركة “بوكينغ.كوم” (Booking.com) أكبر منصة لحجوزات أماكن المبيت: “إنَّهم سيتخلون عن كثير من الموظفين، وإنَّه لا يتوقع إعادة توظيفهم في شركته في أي وقت قريب”، إنَّ انخفاض أعداد الحجوزات العالمية له عواقب وخيمة على مجال الفنادق ومراكز المؤتمرات والمطاعم وما إلى ذلك.
في الختام:
إذا كنت تفكر في أنَّ ما سبق يتطلب كثيراً من الجهد، فأنت على حق تماماً يستغرق التكيف مع التغييرات طاقة ووقتاً طويلاً من العمل؛ هذه هي طبيعة الحياة، والسبب الأكبر لتقصيرنا هو أنَّنا لا نرغب في تخصيص الوقت لإعادة اكتشاف أنفسنا ومجالاتنا، لكن أليس هذا كل ما تدور حوله الحياة؟ التكيف باستمرار مع بيئتنا، هكذا هي الحال دائماً.
لا يتعلق الأمر بما تريده من الحياة؛ بل ما تريده الحياة منك؛ لهذا يجب أن نكون مستعدين لتكرار إطار عمل “أدابت” (ADAPT) بقدر ما نحتاج، وهذه ليست مشكلة؛ بل هي فرصة لتحسين حياتك الشخصية والمهنية.
المصدر