أصبح كلُّ فرد منا يقتني الشاشات الكبيرة وأجهزة الحاسوب والهواتف الذكية، ويدأب على البقاء وقتاً طويلاً على شبكات التواصل الاجتماعية؛ فلا يستطيع أفراد الجيل الحالي الاستغناء عن أدوات التكنولوجيا، وقد مهَّدت الرقمنة لتأسيس ثقافات جديدة، تسعى إلى الانتقال بالإنسان من مرحلة الإنسان العاقل إلى مرحلة الإنسان التقني، وكعملية مقاربة تاريخية تستطيع تشبيه ما تصنعه الثورة الرقميَّة اليوم بما حدث خلال عصر الطباعة؛ إذ إنَّها تفتح حقبة علمية جديدة تفتح بدورها أبواباً عديدة لإعادة تشكيل مفاهيم جديدة تتماشى مع العصر.
ما هو التحول الرقمي؟
الرقمي عبارة عن تغير شامل في كيفية عمل المجتمعات والشركات والحكومات والأفراد؛ وذلك بالاعتماد على التكنولوجيا الرقمية والإنترنت والذكاء الاصطناعي، فهو عملية استخدام التكنولوجيا الرقمية وتطبيقاتها في تحسين طرائق العمل والأداء في مختلف المجالات، وكلمة رقمي Digital تشير إلى التغير الحادث في العالم، بينما تشير كلمة (التحول Transformation) إلى تبني المنظمة أو الشركة التغيير والإبداع والاختراع الحادث من استخدام التكنولوجيا، بدلاً من الاعتماد على الأساليب التقليدية.
التحول الرقمي هو كما عرَّفه “قاسم علي حاج” في كتابه (إسهامات الاتحاد الإفريقي في عملية التحول الرقمي في إفريقيا، قراءة شاملة في مشروع استراتيجية التحول الرقمي لإفريقية 2020-2023): الاستثمار في الفكر وتغيير السلوك لإحداث تحول جذري في طريقة العمل، عن طريقة العمل، عن طريق الاستفادة من التطور التقني الكبير الحاصل لخدمة المستفيدين بسرعة، ويوفِّر التحول الرقمي إمكانات ضخمة لبناء مجتمعات فاعلة وتنافسية ومستدامة، عبر تحقيق تغير جذري في خدمات مختلف الأطراف من مستهلكين وموظفين ومستفيدين، مع تحسين تجاربهم وإنتاجيتهم عبر سلسلة من العمليات المناسبة، ومترافقة مع إعادة صياغة الإجراءات اللازمة للتفعيل والتنفيذ، ويتطلب التحول الرقمي تمكين ثقافة الإبداع في بيئة العمل، ويشمل تغيير المكونات الأساسية للعمل ابتداء من البنية التحتية ونماذج التشغيل وانتهاء بتسويق الخدمات والمنتجات.
شاهد بالفيديو: 10 وسائل فعّالة لحياة رقمية أكثر أماناً
كيف يؤثر التحول الرقمي في الاقتصاد والعمل؟
أثَّر التحول الرقمي في بيئة الأعمال والاقتصاد عامة؛ إذ ساهم التحول الرقمي في:
- توسيع الفرص التجارية: ساهم التحول الرقمي في توسيع الفرص التجارية، سواء للمنظمات أم للأفراد؛ إذ ساعد على تحقيق الانتشار المطلوب، على سبيل المثال: إنشاء مواقع ومتاجر عبر الإنترنت: أتاح التحول الرقمي الفرصة للشركات لإنشاء مواقع ومتاجر لعرض منتجاتها وخدماتها وبيعها عبر الإنترنت.
- التسويق الرقمي: مثل القيام بإعلانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وإعلانات غوغل، الأمر الذي ساعد على انتشار العلامة التجارية.
- الاستفادة من الخدمات السحابية لتحسين التعاون والعمل الجماعي والاطلاع على الملفات والمعلومات في أي وقت ومن أي مكان.
- التطبيقات الذكية: تستطيع المنظمات تصميم تطبيقات ذكية مخصصة للهواتف المحمولة الذكية والأجهزة اللوحية وتستطيع من خلالها عرض خدماتها وطرحها.
- الذكاء الاصطناعي: تستطيع استخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين التفاعل مع العملاء وتحسين تجربتهم.
- التحول الرقمي جعل المنافسة في بيئة الأعمال مفتوحة؛ فالمنظمات معروفة وطريقة عملها مكشوفة؛ ومن ثَمَّ المنافسة على أوجها.
- بناء قواعد بيانات: يتيح إنشاء قاعدة بيانات من خلال كل نشاط أو تفاعل؛ وبذلك تستطيع المنظمة استخدام هذه البيانات في التنبؤات، وكشف الأنماط غير المتوقعة من النشاط التجاري.
- الابتكار: أصبح من السهل على المنظمات اختيار الأفكار الإبداعية التي سوف تعمل عليها من خلال معرفة آراء العملاء وما يحتاجون إليه فعلاً بسرعة قصوى.
- توفير الوقت والجهد وتقليل التكاليف: إنَّ استخدام التكنولوجيا يخفض من عدد العاملين المسؤولين عن الأعمال الورقية، وكذلك يخفض من الموارد المستخدمة، ومن ناحية توفير الوقت والجهد يسهم التحول الرقمي في تقليل الأخطاء في العمل، وكذلك يعمل الاتصال الإلكتروني على تقليل الوقت اللازم للتواصل مع العملاء والتسويق؛ وذلك من المزايا وغير ذلك من المزايا التي يتيحها التحول الرقمي.
- الخفض من ظاهرة الفساد الإداري في المنظمات.
- إدارة علاقات أكثر كفاءة مع العملاء: تستطيع التعرف بسرعة إلى حاجات العملاء وتلبيتها بسرعة.
- زيادة الإنتاجية وتحسين الجودة: التكنولوجيا تزيد من كفاءة العمليات؛ ومن ثَمَّ الحصول على إنتاج أفضل بجودة عالية.
ما هي التأثيرات الاجتماعية والثقافية للتحول الرقمي؟
- أسهم التحول الرقمي في زيادة التواصل الاجتماعي؛ إذ أتاح فرص التواصل بمستوى عالٍ من السهولة، وأسهم في تبادل الأفكار والانفتاح على الثقافات المختلفة.
- حسَّن من العلاقات الاجتماعية في العائلة والمجتمع: قربت تقنيات الاتصال المسافات وأتاحت فرص الاتصال إتاحة أكبر؛ ومن ثَمَّ عمَّقت العلاقات والروابط بين أفراد المجتمع.
- زيادة الوعي الثقافي والعلمي: أصبحت المعرفة بفضل التحول الرقمي أقرب إلى الإنسان؛ فالمعلومات متاحة وطرائق الحصول عليها أصبحت أسهل.
- تحقيق تغييرات شاملة في الخدمات المقدمة للناس في مجالات الصحة والسلامة والأمن والتعليم وسواها.
- استفادة الفرد من التقنيات التكنولوجية الحديثة؛ إذ يصبح أكثر إدراكاً ومرونة في العمل وقدرة على التنبؤ والتخطيط للمستقبل.
- تغيير نمط حياة الإنسان: فقد أسهمت الأدوات التكنولوجية في إنجاز كثير من الأعمال دون أن يضطر الإنسان إلى الخروج من المنزل أو التنقل من مكان إلى مكان آخر؛ ومن ثَمَّ ساهم في تحقيق تغير في نمط حياته وتحقيق رفاهيته.
ما هي أهم التحديات التي تواجه الشركات والمؤسسات في التحول الرقمي؟
1. التحديات التقنية:
الحاجة المستمرة إلى تحديث الأنظمة باستمرار والحصول على مستحدثات التكنولوجيا لتوفير البنية التحتية المناسبة لعمل المنظمة وضمان القدرة على تلبية حاجات العملاء.
2. التحديات المرتبطة بالتدريب والتعليم:
ظهور أدوات تكنولوجية حديثة تتطلب تدريب العاملين وتأهيلهم لضمان النجاح في استخدامها واستثمارها استثماراً صحيحاً.
3. التحديات المرتبطة بالأمن السيبراني:
ينبغي للمنظمات حماية البيانات والمعلومات التي تعالجها وتخزينها على مخدمات الإنترنت واتخاذ الإجراءات كلها للحد من التهديدات.
4. التحديات المرتبطة بمقاومة التغيير:
التحول الرقمي بحاجة إلى إحداث تغير في أسلوب العمل وطريقته وفي الثقافة السائدة؛ لذا التحول الرقمي يحتاج إلى توجيه مناسب للعاملين وتحفيزهم للمضي به.
5. التحديات المالية:
يتطلب التحول الرقمي موارد مالية ضخمة نوعاً ما، فثمة تكاليف الاستثمار في تأمين البنية التحتية الأساسية، وتكاليف التدريب وتعليم العاملين، وتكاليف الصيانة والدعم، وتكاليف الأمان وحماية البيانات.
كيف يستطيع الأفراد الاستفادة من التحول الرقمي؟
التحول الرقمي هو فرصة عظيمة لكل فرد يستطيع استغلالها لتحسين ذاته وإعادة بناء حياته بما يتماشى مع معطيات العصر على سبيل المثال:
- الاستفادة من المحتوى الرقمي: يستطيع الفرد الحصول على المعلومات والبيانات المتاحة عبر الإنترنت، والتي تتضمن الفيديو والصور والتسجيلات الصوتية والكتب والمجلات وغيرها.
- البحث عن عمل: تعزز وسائل التكنولوجية فرص الفرد في التواصل الفاعل؛ ومن ثَمَّ تتيح له البحث عن عمل عبر استخدامها.
- التعلم عن بعد: التكنولوجيا الرقمية فرصة ذهبية للتعلم والحصول على شهادات ودورات تدريبية دون أن تضطر إلى التنقل والسفر للحصول عليها.
- التسوق عبر الإنترنت: يستطيع الفرد أن يحصل على ما يحتاج إليه والتسوق عبر الإنترنت وشراء ما يريد وتوفير الوقت والجهد في البحث عن أفضل المنتجات.
- المحافظة على الصحة: قد سمحت التكنولوجيا الرقمية للفرد بتتبع صحته عبر مجموعة من التطبيقات المُصمَّمة لذلك.
- البلوك تشين.
- الحوسبة السحابية.
- تحليل البيانات الضخمة.
- شبكات الجيل الخامس.
- الذكاء الاصطناعي.
- القدرة الحاسوبية.
- إنترنت.
ما هي تقنيات التحول الرقمي؟
هل يستطيع التحول الرقمي الفصل بين الأغنياء والفقراء؟
نعم، يستطيع أن يكون التحول الرقمي سبباً في تعميق الهوة التي تفصل بين الفقراء والأغنياء إذا لم يوجد تكافؤ في الوصول إلى التكنولوجيا والمعلومات، فبعض المجتمعات محرومة من التحول الرقمي، وهذا يؤدي إلى تعزيز التفاوت الاجتماعي بين المجتمعات؛ لذا فإنَّ قضية التحول الرقمي يجب أن تكون مشروعاً برعاية حكومية لضمان تكافؤ الفرص في المجتمع.
هل تستطيع الاستغناء عن التحول الرقمي والعودة إلى الأساليب التقليدية؟
أصبح التحول الرقمي جزءاً أساسياً من حياة الإنسان، وأصبح من المستحيل التخلي عنه والعودة إلى الأساليب التقليدية؛ فقد قدَّم التقدم الرقمي مزايا عديدة في جميع المجالات، على سبيل المثال قدَّم التحول الرقمي أنظمة ذكية استُخدِمَت في الصناعة والزراعة والتعليم والنقل وسواها، وهذا أدى إلى إحداث تحسينات فعلية من النواحي الإنتاجية وتخفيض التكاليف ونشر ثقافة التعليم؛ إذ أصبحت المجتمعات على درجة من الوعي لا تستطيع بعدها العودة إلى نقطة البداية.
في الختام:
التحول الرقمي هو تغيير الأساليب التقليدية واستخدام التقنيات الحديثة الرقمية لتحسين العمليات عامة؛ إذ يسهم التحول الرقمي في تحقيق مزايا متعددة على الأصعدة كلِّها، منها توفير الوقت والجهد والمال، وتحسين الكفاءة والإنتاجية وتحسين الجودة وتحسين تجربة المستخدِم وتحسين التواصل والاتصال وغير ذلك؛ فالتحول الرقمي من أهم الاتجاهات الحديثة في العالم اليوم التي تسهم في تحقيق رفاهية الإنسان وجعله أكثر سعادة.