تاريخ الذكاء الاصطناعي مختصر:
لا يمر يوم إلا ونسمع فيه مصطلح الذكاء الاصطناعي، ولكنَّ هذا المصطلح لا يُعَدُّ جديداً؛ إذ يعود تاريخ الذكاء الاصطناعي إلى منتصف القرن العشرين في عام 1950 عندما قام العالم “آلان تورينغ” بتقديم اختبار الذكاء الاصطناعي وهو اختبار لحاسوب يُصنَّف ذكياً في حال قدرته على محاكاة العقل البشري؛ إذ إنَّه في أثناء الحرب العالمية الثانية بين بريطانيا وألمانيا تمكَّن من صنع الآلة التي فكت شيفرة رسائل “إينيغما”، وهو يُعَدُّ الأب الروحي للذكاء الاصطناعي.
في عام 1997 تمكنت إحدى الشركات من تصنيع حاسوب تمكَّن من هزيمة بطل العالم الروسي في الشطرنج، وهذه مباراة تُعَدُّ نقطة فاصلة في تطور الذكاء الاصطناعي إلى أن عملت شركة “غوغل” على تقديم الذكاء الاصطناعي “ألفا غو” الذي تمكَّن من هزيمة الكوري الجنوبي العالمي بلعبة “غو” التي تُعَدُّ أعقد وأصعب من لعبة الشطرنج، إضافة إلى أنَّه اخترع طريقة جديدة في إحدى جولات اللعبة غير موجودة سابقاً ولا يوجد أحد قام باستخدامها دون مساعدة بشرية.
أخيراً، شهد القرن الواحد والعشرين ثورة في مجال البيانات التي كانت الأساس في تطور الذكاء الاصطناعي الذي نشهده، وامتد ليشمل مجالات العمل المختلفة وإنجازه كثيراً من العمليات الحسابية المعقدة، وتم العمل على تعليم الآلة بنجاح للقيام ببعض المهام وحل المشكلات في مختلف البيئات الاقتصادية وغيرها.
كيف تطور تاريخ الذكاء الاصطناعي؟
يعود تاريخ الذكاء الاصطناعي إلى التفكير في طبيعة الذكاء وتطبيقه في الآلات، فإنَّ قدرة الآلة على حساب مسائل رياضية معقدة عُرِفت بالذكاء الاصطناعي، لذلك سنتعرف في هذا المقال إلى مراحل تطور الذكاء الاصطناعي التي مر بها خلال السنوات حتى هذا اليوم.
المرحلة الأولى:
أول مرة تم استخدام كلمة روبوت كانت عام 1921؛ إذ قام الكاتب المكسيكي “كارل تشابيك” باستخدامها في مسرحيته “روبوتات روسوم العالمية”؛ وهي مسرحية خيال علمي التي كانت مشتقة من كلمة (robota) والتي تعني في اللغة التشيكية العمل الشاق والعبودية، وكانت قد بدأت قصة المسرحية عن مصنع لتصنيع أشخاص اصطناعيين يدعون الروبوتات من مادة عضوية اصطناعية لا يتم التمييز بينهم وبين البشر، وتكون الروبوتات تعمل مع البشر، ولكنَّ تمردها يؤدي إلى انقراض الجنس البشري، وهذه أهم مراحل تاريخ الذكاء الاصطناعي التي بدأ منها.
المرحلة الثانية:
في عام 1951 كان لـ “آلان تورينغ” (Alan Turing) دور هام في عملية تطور الذكاء الاصطناعي؛ إذ يُعَدُّ الأب الروحي للذكاء الاصطناعي الذي قام بنشر اختبار له في ورقة بحثية شهيرة، وكان الاختبار عن طريقة أسماها لعبة المحاكاة، وكانت تقول إنَّه إذا استطاعت آلة إقناع بشري آخر بأنَّها بشر عبر محادثة نصية، فإنَّها تكون قد نجحت بالاختبار.
كان “تورينغ” مصمماً على أنَّه يمكن للآلات أن تصل إلى مستوى ذكاء البشر، فيمكن إنشاء آلات نبرمجها للقيام بأي شيء، ويُعَدُّ “تورينغ” أول من آمن باختراع الحاسوب وقال إنَّه يمكن اختراع آلة واحدة يمكنها حساب أيَّة سلسلة من العمليات الحسابية، وأخيراً إنَّ آلة “آلان تورينغ” تُعَدُّ مثالاً بسيطاً عن الذكاء الاصطناعي؛ إذ إنَّ تصميم الآلة كان يعمل على محاكاة عمل الدماغ.
المرحلة الثالثة:
في شهر آب/ أغسطس عام 1956 تم إيجاد الذكاء الاصطناعي بوصفه علماً حقيقياً؛ إذ قام مجموعة من العلماء باستضافة ورشة عمل صيفية في “دارتموث” وكان موضوع الجلسة الذكاء الاصطناعي بعنوان “مشروع دارتموث البحثي عن الذكاء الاصطناعي”، وقام فيها “جون دارمثي” وهو أستاذ مساعد في الرياضيات ومخترع لغة البرمجة (LISP).
كان الهدف من هذه الورشة هو إيجاد وسائل تجعل الآلة تحاكي العقل البشري والتفكير مثل الإنسان، وقد اقترح حينها “دارمثي” أنَّه سيتم إيجاد طريقة لجعل الآلة تفهم اللغة وتشكيل المفاهيم وحل المشكلات، ولقد استمرت ورشة “جون دارمثي” نحو ستة أسابيع إلى ثمانية، وهنا قد توقفت أبحاث الذكاء الاصطناعي بسبب محدودية الموارد، لكن مع تضخم المعلومات والأبحاث عادت لتلقى النور مجدداً.
المرحلة الرابعة:
في ستينيات القرن الماضي بدأ استخدام الحواسيب لمشاهدة الصور وترجمة اللغات وفهم الإشارات بوصفها واحدة من مجالات الذكاء الاصطناعي، إلى أن ظهرت مجالات متعددة له في مختلف مجالات الحياة.
نصل إلى عام 2016؛ إذ كانت نقطة التحول في تاريخ الذكاء الاصطناعي وتطوره، فقد قدَّمت شركة “جوجل” برمجية ذكاء اصطناعي مطوَّرة باسم “ألفا غو” التي تعلمت قواعد اللعبة اللوحية (Go) الصعبة والمعقدة، وتمكنت من هزيمة بطل العالم الكوري في هذه اللعبة، وكان هذا دون أيَّة برمجة سابقة، واللافت للانتباه أنَّها تمكَّنت في جولتها الثانية من اختراع طريقة جديدة في اللعب لم يُلعَب بها مسبقاً.
المرحلة الأخيرة:
أخيراً في عام 2018 الذي كان النقلة الكبيرة في عالم الذكاء الاصطناعي؛ إذ ازدهر وتطور تطوراً كبيراً وأصبح أداة موجودة في كل قطاعات حياتنا ومختلف مجالات العمل مثل مجال الرعاية الصحية، ومجال الأعمال، وفي مجال صناعة السيارات، وغيرها، فقد تحول هذا العلم من أبحاث على الورق إلى حقيقة موجودة في حياتنا اليومية.
كل ذلك من خلال شبكة عصبية اصطناعية مماثلة للشبكة العصبية في دماغ الإنسان التي من خلالها تمكنت الروبوتات من التعرف إلى الوجوه والأشياء، إضافة إلى تطويرها في أداء مهام صعبة ومعقدة، ومن الأمثلة عن الذكاء الاصطناعي الذي تم تطويره هو الروبوت المحمول “هيربرت” الذي صُمِّم للتجوال مكتبياً وجمع علب الصودا الفارغة للتخلص منها، إضافة إلى تصميم روبوتات لتطهير الألغام، وتوجد روبوتات تم تصميمها للتعرف إلى المشاعر ولغة الجسد.
أهمية الذكاء الاصطناعي:
بعد أن تعرَّفنا إلى تاريخ الذكاء الاصطناعي وكيف ساهمت ثورة المعلومات الهائلة في المساعدة بتطوره، وصلنا إلى التعرف إلى أهمية هذا العلم ودوره الكبير في خدمة المجتمع؛ إذ تطور مجال الرعاية الصحية بفضل الذكاء الاصطناعي بسرعة كبيرة، وتم تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي للمساعدة على تجنب إجراء الفحوصات المخبرية غير الضرورية للمرضى.
إضافةً إلى معرفة الأمراض المكتسبة من المستشفيات وتحسين حالة العمل السريري، ويعمل الذكاء الاصطناعي أيضاً على تحسين نوعية العمل وزيادة كفاءته وسرعة القيام به، وهذا يزيد من عدد المستخدمين لهذه الأعمال بسبب التطور المستمر للبرمجيات والأدوات المتعلقة بها.
أيضاً ساهم الذكاء في التقليل من الحوادث وتخفيف الازدحام المروري، وذلك من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة السيارات؛ إذ شكَّل ثورة بإدخاله في برامج القيادة الذاتية من “غوغل”، وأيضاً تستخدم تطبيقات التواصل الاجتماعي الذكاء الاصطناعي لنرى أنَّه لا يخلو مجال من مجالات حياتنا من وجوده.
أنواع الذكاء الاصطناعي:
يُعَدُّ الذكاء الاصطناعي فرعاً من أفرع علم الحاسوب التي اهتمت ببناء أنظمة وبرمجيات تحاكي عقول البشر وتتصرف مثلهم، وتوجد مستويات كثيرة للذكاء الاصطناعي، ويختلف مستوى الذكاء بين آلة وأخرى، وذلك حسب المعطيات التي تم إدخالها ومستوى ذكاء الأنظمة الموجودة، وهي:
1. الذكاء الاصطناعي الضيق:
هو الذكاء الذي صُمِّم لأداء مهمة واحدة فقط ولا يمكنه القيام بمهمة أخرى غيرها، ويشمل أيضاً جميع تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي نراها الآن، ومن أمثلته أنظمة الذكاء الاصطناعي التي صُمِّمت وطُوِّرت في مجال واحد فقط مثل الذكاء الاصطناعي الذي صُمِّم للتغلب على بطل العالم في لعبة الشطرنج.
2. الذكاء الاصطناعي العام:
هو الذكاء الذي صمم ليكون بمستوى قدرات الإنسان الفكرية؛ إذ لديه القدرة على فهم أيَّة مهمة فكرية يقوم بها الإنسان، ويُعَدُّ معقداً وأصعب من الذكاء الاصطناعي الضيق، وله أسماء عدة منها الذكاء الاصطناعي القوي، أو الذكاء الاصطناعي الكامل، ويُعَدُّ هاماً في مجال البحث المستقبلي والخيال العلمي، وهو يستطيع القيام بالمهام الفكرية التي يقوم بها الإنسان بخلاف الذكاء الاصطناعي الضيق.
3. الذكاء الاصطناعي الفائق:
يُعَدُّ أذكى من العقول البشرية بالقدرات الفكرية والمجالات العلمية والمهارات الاجتماعية، وهو ما يسعى العلماء إلى الوصول إليه، إضافة إلى كونه معقداً ومذهلاً كثيراً، وقد يشكل وجود مثل هذا النوع من الذكاء تهديداً كبيراً لوجود الإنسان؛ لأنَّه يمكنه القيام بكل المهام التي يعمل بها البشر نظراً لمستوى الذكاء الذي يتمتع به.
في الختام:
أصبح الذكاء الاصطناعي موجوداً لا شك فيه، إضافة إلى تشكيله خطراً على الإنسان؛ لأنَّه استحوذ على مهامه التي كان يقوم بها، ويعمل الباحثون الآن على تطوير آلات تتمتع بالإدراك مثل العقل البشري، وبذلك نكون قد قدَّمنا لكم لمحة عن تاريخ الذكاء الاصطناعي ومراحل تطوره.