مفهوم الشمول الرقمي وأهميته:
في جوهره، يُعَدُّ الشمول الرقمي نهجاً شاملاً يهدف إلى توفير فرص متساوية ووصولٍ إلى التكنولوجيات والخدمات الرقمية للجميع، بصرف النظر عن خلفيتهم الاقتصادية أو الموقع الجغرافي، فإنَّه لا يقتصر على سد الفجوة الرقمية فقط؛ بل يركز على تمكين الأفراد والمجتمعات للاستفادة من إمكانات التكنولوجيا، وهذا يؤدي في نهاية المطاف إلى تحسين نوعية الحياة واكتساب المعرفة والتقدم الاجتماعي والاقتصادي.
تخيَّل عالَماً يحظى فيه كل شخص – بصرف النظر عن خلفيته – بنفس الفرص للوصول والاستفادة من التكنولوجيا الرقمية، ويسعى الشمول الرقمي إلى تحقيق هذه الرؤية، فمن خلال التأكد من عدم ترك أحد في الخلف، يمكننا إنشاء مجتمع يتاح للجميع فرصة الازدهار في العصر الرقمي.
أحد الجوانب الرئيسة للشمول الرقمي هو توفير وصول إلى التكنولوجيا والخدمات الرقمية، وهذا يعني ضمان أنَّ الأفراد لديهم وصول إلى اتصال الإنترنت بتكلفة معقولة، وأجهزة الكمبيوتر، وغيرها من الأجهزة الضرورية.
كما يتضمن ذلك التأكد من أنَّ منصات وخدمات التكنولوجيا الرقمية مصممة بطريقة يمكن الوصول إليها من قِبل الجميع، بصرف النظر عن قدراتهم، فمن خلال معالجة هذه العقبات، يمكننا تمكين الأفراد من المشاركة الكاملة في العالم الرقمي واستكشاف إمكاناتهم.
تطور التكنولوجيا الرقمية وتأثيرها في المجتمع:
من بداية ظهور أجهزة الحاسوب الشخصية إلى انتشار الإنترنت، والآن عصر الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، غيَّرت تكنولوجيا المعلومات الرقمية بسرعة فائقة حياتنا، ومع ذلك، فإنَّ الفوائد التي تقدِّمها ليست منتشرة بالتساوي، في حين اعتنق بعض الأشخاص هذه التكنولوجيا واستفادوا من ثمارها، وتُرِك آخرون مُهمَّشين.
مع استمرار تطور التكنولوجيا الرقمية، يصبح من الضروري ضمان ألا يُترَك أحد في الخلف، فإنَّ الشمول الرقمي لا يتعلق فقط بتوفير الوصول إلى التكنولوجيا؛ بل يتعلق بإنشاء بيئة يتمكن فيها الجميع من المشاركة الكاملة والاستفادة من هذه التكنولوجيا، فمن خلال اعتماد مفهوم الشمول الرقمي، يمكننا استثمار قوة هذه التكنولوجيا لتقديم جسور عبر الفجوات الاجتماعية وإنشاء عالم أكثر تكافؤاً.
فكر في تأثير التكنولوجيا الرقمية في مختلف جوانب حياتنا، فمن التواصل والترفيه إلى الرعاية الصحية ووسائل النقل، غيَّرت تكنولوجيا المعلومات الرقمية طريقة عيشنا وعملنا وتفاعلنا مع العالم من حولنا، ومن خلال تعزيز الشمول الرقمي، يمكننا ضمان أنَّه لدى الجميع الفرصة للاستفادة من هذه التقدمات والمساهمة في المجتمع الرقمي.
دور إمكانية الوصول في الشمول الرقمي:
تؤدي إمكانية الوصول دوراً حيوياً في الشمول الرقمي، وتشمل تصميم المنصات والخدمات والمحتوى الرقمي بطريقة يمكن استخدامها على نحو عالمي، بصرف النظر عن قدرات الفرد، ومن خلال اعتماد مبادئ التصميم الشامل، يمكننا ضمان أنَّ الأفراد ذوي الإعاقة يمكنهم المشاركة الكاملة في العالم الرقمي لإطلاق إمكاناتهم وتمكُّنهم من المساهمة في المجتمع.
تخيَّل عالَماً يستطيع الأفراد ذوو الإعاقة فيه الوصول واستخدام التكنولوجيا الرقمية دون أي حواجز، فمن خلال جعل المنصات والخدمات الرقمية متاحة، يمكننا تمكين الأفراد ذوي الإعاقة من التنقل بسهولة في العالم الرقمي، وهذا يعزز جودة حياتهم، ويسمح لهم أيضاً بالمشاركة الكاملة في التعليم والتوظيف والنشاطات الاجتماعية.
إمكانية الوصول لا تتعلق فقط بالامتثال للمتطلبات القانونية؛ بل تتعلق بإنشاء بيئة رقمية شاملة وترحيبية للجميع، فمن خلال النظر في الاحتياجات المتنوعة للأفراد وتنفيذ ميزاتها، يمكننا التأكد من أنَّ التكنولوجيا الرقمية هي حقاً شاملة ومفيدة للجميع.
شاهد بالفديو: 10 وسائل فعّالة لحياة رقمية أكثر أماناً
أهمية المشاركة الرقمية:
حتى بعد تثبيت الأجهزة وتوسيع التغطية، وتعليم المفاهيم الرقمية للمجتمعات، يعتمد الشمول الرقمي على قدرة الأفراد على العثور على قيمة كافية في العالم الرقمي للانضمام إليه، فلا يكون للأفراد فائدة كبيرة من البيانات باهظة التكلفة التي لا تقدِّم محتوى باللغة المناسبة أو البضائع والخدمات في منطقتهم.
تشير بعض تعريفات الشمول الرقمي إلى أنَّ القياس الحقيقي للنجاح هو الدرجة التي يحققها المستخدمون من استقلالية تكنولوجيا المعلومات الرقمية أو استخدامها لخدمة مصالحهم وحقوقهم.
لماذا الشمول الرقمي أمر أساسي؟
يؤدي نقص الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصال دوراً كبيراً في النتائج الاجتماعية والاقتصادية للأفراد في البلدان المتقدمة والنامية، إضافة إلى ذلك، يؤدي الشمول الرقمي دوراً كبيراً في تحقيق العدالة الرقمية؛ إذ يمتلك كل فرد المهارات والموارد الرقمية اللازمة للمشاركة الكاملة في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والمدنية للمجتمع.
الفجوة التكنولوجية آخذة في الاتساع:
مع زيادة وتيرة التغيير التكنولوجي بمعدل متسارع، ستصبح الفجوة الرقمية أوسع، وسيشهد أولئك الذين يستطيعون توفير التكاليف والفرص الاقتصادية الاستفادة من عدد من فوائد العالم الرقمي.
أما الذين يفتقرون إلى الوصول ويعانون بالفعل من عدم المساواة الاقتصادية، سيتخلفون أكثر، ويرتبط عدد من أهداف السياسات العامة، مثل توسيع الشمول المالي، وتحسين نتائج الصحة، وحماية حقوق الإنسان أيضاً ارتباطاً وثيقاً بالوصول الرقمي.
ترسم البيانات صورة صارخة لعواقب الاستبعاد الرقمي، فالطلاب الذين يمتلكون جهاز كمبيوتر لديهم فرصة أكبر بنسبة 6 إلى 8% للتفوق في المدرسة الثانوية، ويمكن للأسر التي تمتلك وصولاً إلى الإنترنت تحقيق توفير يصل إلى 12,000 دولار سنوياً من خلال المشتريات عبر الإنترنت، كما يستفيد الباحثون عن وظائف الذين يتمتعون بمهارات الكفاءة الرقمية من 82% من وظائف المهارات المتوسطة التي تتطلب مهارات رقمية.
يؤثر الاستبعاد الرقمي في الفئات المحرومة بالفعل:
تؤثر الفجوة الرقمية تأثيراً خاصاً في تلك الفئات التي تواجه بالفعل معوقات، ففي الولايات المتحدة، يقلُّ الوصول كلما انخفض الدخل، فالوصول وحده لا يعني الجودة.
واحد من بين أربعة بالغين في الولايات المتحدة من الذين يكسبون أقل من 30,000 دولار سنوياً يملكون وصولاً إلى الإنترنت فقط من خلال جهاز محمول، فقد تكون النشاطات الرقمية الأكثر تعقيداً مثل الخدمات المصرفية ومساعدة الأطفال على إنجاز الواجبات الدراسية صعبة، وذلك نظراً لقيود متصفح الجوال على شاشة صغيرة.
تتبع الفجوة الرقمية أيضاً خطوط الجنس، فوفقاً لتقرير النطاق العريض المذكور آنفاً من “اليونسكو”، يستخدم الرجال الإنترنت بنسبة 17% أكثر من النساء على مستوى العالم، وفي البلدان الأقل تطوراً، ترتفع هذه النسبة إلى ما يقرب من 43%.
الأصل العرقي أيضاً عامل في الوصول الرقمي؛ فالكبار من العرق الأسود والإسبان لديهم وصول أقل من الكبار البيض لخدمات الإنترنت السكنية وأجهزة الكمبيوتر في المنزل، ووفقاً لدراسة لجنة العمل الأمريكية، كان من غير المرجح أن يعمل العمال السود والإسبان من المنزل.
يواجه الكبار في السن أيضاً عقبات؛ إذ يقول فقط 60% من البالغين الذين تزيد أعمارهم عن 75 عاماً إنَّهم يستخدمون الإنترنت، ويشترك فقط 41% في خدمة الإنترنت المنزلي، وخلال الجائحة، ومع تأصيل خدمات التوصيل إلى المنزل، كان الكبار في السن الذين لا يمتلكون وصولاً يتعرضون لخطر العزل الاقتصادي والاجتماعي الأكبر، كما يواجه الأشخاص ذوو الإعاقة مستويات أقل من الشمول الرقمي.
شاهد بالفديو: وظائف لا يمكن للذكاء الاصطناعي القيام بها
مبادرات نجاح الشمول الرقمي:
تشكل قصص النجاح في العالم الحقيقي مصدر إلهام؛ إذ تدفعنا إلى توسيع حدود الشمول الرقمي، ومن خلال فحص دراسات الحالة التي تبرز مبادرات الشمول الرقمي المؤثرة، يمكننا الاستفادة من أفضل الممارسات وتكرار الاستراتيجيات الفعالة لتكثيف جهودنا، وهذا يقربنا أكثر من عالم يتسم بالشمول الرقمي.
تخيَّل معرفة مزيد من المعلومات عن مجتمع تمكَّن من التغلب على حواجز الاستبعاد الرقمي وتحويل حياته من خلال مبادرات الشمول الرقمي، فمن خلال دراسة هذه القصص الناجحة، يمكننا الحصول على رؤى عن الاستراتيجيات والنُّهج الفعالة في تعزيز الشمول الرقمي، وقد تكون هذه الدراسات نماذج للمبادرات المستقبلية، وهذا يساعدنا على إنشاء مجتمع رقمي أكثر اندماجاً.
تأثير الشمول الرقمي في التعليم والتوظيف:
التعليم والتوظيف هما عاملان حاسمان في تنمية المجتمع؛ إذ يعمل الشمول الرقمي بوصفه محفزاً، ويُحدِث ثورة في هذين المجالين، فمن خلال تزويد الأفراد بمهارات رقمية وضمان وصول متساوٍ إلى موارد التعليم وفرص العمل، يمكننا تحويل الحياة.
يمكن للشمول الرقمي أن يمكِّن الأفراد من اكتساب معرفة جديدة، وتوسيع آفاقهم، والوصول إلى منصات التعليم عبر الإنترنت، والتعاون عن بعد، إضافة إلى ذلك، يفتح آفاقاً للعمل عن بعد وريادة الأعمال والتمكين الاقتصادي، متجاوزاً الحدود الجغرافية.
تخيَّل طالباً يمكنه – بفضل جهود الشمول الرقمي – الوصول إلى موارد تعليمية عبر الإنترنت كانت خارجة عن متناوله في وقت سابق، فقد يمكِّنه الوصول إلى التعليم ذي الجودة من متابعة أحلامه وتحقيق إمكاناته الكاملة، وبالمثل، تخيَّل فرداً يمكنه – من خلال مبادرات الشمول الرقمي – العثور على فرص عمل عبر الإنترنت والعمل عن بعد، بغض النظر عن موقعه الجغرافي، فالشمول الرقمي لديه القوة لكسر الحواجز وإنشاء فرص جديدة للأفراد في قطاعي التعليم والتوظيف.
في الختام:
في ختام هذا المقال، ندرك أنَّ الشمول الرقمي ليس مجرد مفهوم نظري؛ بل هو تحول حقيقي يؤثر في حياة الأفراد وتقدُّم المجتمعات، ومن خلال النظر إلى قصص النجاح والمبادرات الفعالة، نتعلم كيف يمكن للتكنولوجيا تحقيق تغيير إيجابي.
إنَّ توسيع إمكانية الوصول وتمكين الأفراد بالمهارات الرقمية يفتح أفقاً جديداً للتعليم والتوظيف، ويجعل العالم الرقمي أكثر شمولاً وعدلاً، لذلك يجب علينا أن نستمر في تعزيز جهودنا نحو تحقيق شمول رقمي شامل، فيكون الوصول إلى التكنولوجيا حقاً أساسياً للجميع، ويتاح للجميع الفرصة للاستفادة من ثمار التقدم التكنولوجي.