Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تقنية

الذكاء الاصطناعي والمجتمع


والقاسم المشترك بين الصور الجديدة والأصلية هو الدقة في التعديل والشبه الكبير في الملامح بين الصور الأصلية وتلك المُعدَّلة، وإنَّه لأمر مثير للدهشة! فبدل أن يرسم فنان الصورة بألوانه الزيتية ويستغرق عمله وقتاً طويلاً أصبح الحصول على صورة بطريقة الألوان الزيتية ممكناً بلمسة زر، فماذا يخبئ لنا الذكاء الاصطناعي أيضاً؟

بعد الثورة الكبيرة التي أحدثها الذكاء الاصطناعي في عصرنا باتت تأثيراته تطال مفاصل حياتنا الشخصية والاجتماعية، فهل يمكن أن تتأثر العلاقات الإنسانية والعدالة الاجتماعية بالذكاء الاصطناعي؟ هذا ما سنطرحه في هذا المقال.

ما هو الذكاء الاصطناعي؟

قبل الدخول في تأثيرات الذكاء الاصطناعي في العلاقات الإنسانية والعدالة الاجتماعية لا بد من تعريف مصطلح الذكاء الاصطناعي الذي يعد من أهم مفرزات الثورة التكنولوجية، والذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) هو انعكاس التطور في العقلية الرقمية، لتستطيع منح الآلة القدرة على محاكاة المهارات البشرية، وبكفاءة أعلى ومعدل أخطاء شبه معدوم.

الآلة الحاسبة على سبيل المثال تجسيد للذكاء الاصطناعي، فهي تستطيع إجراء جميع العمليات الحسابية التي يقوم بها الإنسان وأخرى لا يستطيع القيام بها إلا المتخصصون، ولكنَّها تتفوق على القدرات البشرية بسرعتها في الإنجاز وأخطائها المعدومة.

بتعريف دقيق للذكاء الاصطناعي نقول إنَّه العلم المتخصص في مجال هندسة الآلات الذكية على أساس البرامج والتطبيقات الحاسوبية، وهذا يكسبها الأهلية لمحاكاة التصرفات البشرية والتفكير البشري، والذكاء الاصطناعي أيضاً نسخة إلكترونية من الكائن البشري تتشابه معه من ناحية التفكير، وتعمل بالاعتماد على أنظمة برمجية حاسوبية معقدة جداً لتقوم بمهام تشبه استراتيجيات التحليل المنطقي للإنسان وتحاكي مهام العقل البشري.

لقد طالت تأثيرات الذكاء الاصطناعي وتطوراته جميع جوانب الحياة البشرية عبر تطبيقاته الذكية التي كانت صاحبة أثر إيجابي في الارتقاء بالمجتمعات وتطويرها، فالذكاء الاصطناعي أنتج الآلات التي تعمل بتحكم الجهاز الحاسوبي الذي يحاكي في خوارزمياته المنطق البشري والتفكير البشري الذي يقوم به الدماغ، وتجاوزت التطورات في الذكاء الاصطناعي التوقعات، فتم إنشاء آلات تحاكي الإنسان في شكله قادرة على استقبال البيانات وتحليلها وإيجاد العلاقات بينها، فتتمكن بذلك من اتخاذ قرارات سليمة وإظهار ردود أفعال مناسبة للمواقف التي يتم تعريضها لها، ومن ثم تنفيذ المهمة التي صُممت من أجلها وكُلِّفت بها.

لم يعد من الضروري توظيف شخص لبيع المشروبات الباردة، فالآلة تستطيع فعل ذلك اليوم وتستجيب للزبون بشكل مثالي وتلبي طلباته بوقت قياسي، ولم تعد الشركات والبنوك بحاجة إلى توظيف شخص لمنح الزبائن الأوراق المالية، فالصرافات الآلية تفعل ذلك بكفاءة ممتازة.

إضافة إلى الكثير من المهام والخدمات التي تولى أداءها الذكاء الاصطناعي الأحدث مجنِّباً الإنسان بذل الجهد والتعرض للخطر، كما في المجالات العسكرية، فلم يعد من الضروري المخاطرة بروح طيار مخضرم لقيادة طائرة تجسس فوق المناطق الخطرة؛ بل أصبح من الممكن تسيير طيارات يقودها الذكاء الاصطناعي تستطلع الأجواء وتتجنب الرادارات بحرفيَّة عالية، كما أنَّ بصمات الذكاء الاصطناعي تجلت في قيامه بالمهام الطبية والتمريضية والاعتناء بذوي الاحتياجات الخاصة، عدا عن الخدمات الشخصية التي يقدمها للإنسان والتي تزيد من رفاهيته وتعزز سبل راحته كالسيارات ذاتية القيادة.

كيف يمكن أن يؤثر الذكاء الاصطناعي في العلاقات الإنسانية؟

إنَّ دخول الذكاء الاصطناعي إلى حياة الناس بجوانبها المتعددة كان وسيكون له الكثير من التأثيرات، منها الإيجابي ومنها ما هو سلبي، وعلى الصعيد الإيجابي فإنَّ دخول الذكاء الاصطناعي إلى مفاصل الحياة الدقيقة سينعكس بلا شك على شكل رفاهية أكبر مثل السيارات ذاتية القيادة، فلن يكون الإنسان مضطراً لإمضاء الطريق متيقظاً إلى الإشارات والسرعة والمارة؛ بل سيتسنى له التمتع برحلته مهما كانت قصيرة وإراحة نفسه من عناء القيادة وما تسببه من آلام في الظهر والرقبة.

على الصعيد الصحي أيضاً ستستطيع الآلة المُقادة بالذكاء الاصطناعي قريباً إجراء العمليات الجراحية الحرجة والدقيقة، وهذا يعني أنَّ الدعاوى التي كانت تُرفع من قِبل المرضى على الأطباء بسبب الأخطاء الطبية ستقل، فالآلة أكثر دقة في الأداء ولن تشعر بالضغط والتوتر في أثناء الإجراء الجراحي.

أيضاً فإنَّ المشاحنات بين الموظفين والمديرين سوف تقل، فلن يكون هناك محاسبون يخطئون في الجداول المالية، ومن ثم لن تكون لدينا في المستقبل حالات تغريم بالخلل في الميزانية أو تسريح قسري بسبب الأخطاء البشرية، وستصبح أجواء العمل أكثر هدوءاً ورتابة.

على صعيد العلاقات الاجتماعية فإنَّ الذكاء الاصطناعي سيوفر للناس مزيدً من التواصل الفعال، فكما وضحت شركة “ميتا” فإنَّ إطلاق عالم “ميتافيرس” الموازي بات قريباً، وهذا يعني أنَّنا صرنا نستطيع اللقاء افتراضياً بأحبابنا المسافرين أو الآخرين الذين لا يستطيع الواقع أن يجمعنا بهم.

قد يبدو تأثير الذكاء الاصطناعي في العلاقات البشرية مليئاً بالإيجابيات، ولكنَّه بالتأكيد سيحمل في ثناياه السلبيات أيضاً، فاللقاءات التي نحلم بها مع الأشخاص الذين نحبهم والتي نطمع بأن يحققها لنا الذكاء الاصطناعي ستعني تغيُّبنا عن الحيز الجغرافي الذي نشغله، وسوف تبعدنا عن الأشخاص في عالمنا الواقعي، ولا نستطيع إنكار العزلة التي سببتها وسائل التواصل الاجتماعي في هذه الأيام، وعلى ما يبدو فإنَّ الذكاء الاصطناعي وتقنيات الواقع الافتراضي ستساهم في تعزيز هذه العزلة مستقبلاً.

كما أنَّ التعامل مع الآلات طيلة الوقت في العمل وفي الطريق وفي المنزل سيتسبب في انفصال البشر عن واقعهم بشكل تدريجي، وانخفاض احتكاكهم بالمحيط الاجتماعي؛ الأمر الذي سينتج عنه حدوث جمود في العلاقات الإنسانية وتدنٍّ في مرونتها الفطرية، وهذا يجعل عمليات التواصل والتفاعل بين الناس تميل إلى التعقيد والتنميط، وتفتقر إلى الجوانب العاطفية والوجدانية.

من الجدير الإضاءة على نقطة هامة من نقاط تأثير الذكاء الاصطناعي في العلاقات الإنسانية، وهي نقطة انتهاك الخصوصية، فالعديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي تتطلب من المستخدم إعطاءها الإذن للوصول إلى بياناته الشخصية لتحقق له الخدمة التي يريدها، وهذا ما يجعل خصوصيته عرضة للانتهاك والقرصنة، وقد تتسبب له بمتاعب شخصية واجتماعية.

لا ننسى تقنيات التزييف العميق التي تجاوزت حد اختلاق صور لأشخاص في وضعيات مختلفة بناء على زوايا متعددة للتصوير يتم تلقينها للذكاء الاصطناعي، وتجاوزت حد البصمة الصوتية التي كانت تعد معياراً عالياً من الأمان واستطاعت تزييف واستخراج نبرات الأصوات المختلفة وتلقينها نصوصاً محددة ليُنسب إلى الإنسان أقوال لم يقلها أبداً.

وصلت هذه التقنيات إلى درجات من التطور أصبح بإمكان الذكاء الاصطناعي فيها توليد مقاطع فيديو تجعل الشخص يظهر ويتكلم ويتصرف بطريقة لا يمكن أن تتصور بأنَّها مزيفة، وغالباً تكون على شكل مواد إباحية تتسبب بالفضائح للشخصيات المقصودة التي عادة ما تكون من شخصيات السياسة أو المشاهير.

كيف يمكن أن يؤثر الذكاء الاصطناعي في العدالة الاجتماعية؟

العدالة الاجتماعية هي جانب من جوانب الحياة البشرية التي سيطالها الذكاء الاصطناعي، ومن المرجح أن يكون حضور الذكاء الاصطناعي إلى مهن المحاماة والقضاء طاغياً في الفترات القادمة، وحتى إنَّ بعض الناس يقولون إنَّ عدم استخدام الذكاء الاصطناعي سيغدو جرماً قانونياً، وسيكون أشبه باستخدام المحامي للأوراق والأقلام في العهد الذي يستطيع فيه استخدام الحاسوب.

تشبه الخوارزميات القانونية برامج العمل الحاسوبية من ناحية المخططات التدفقية، ففي كل حالة يتم فحص شروط معينة لتحديد الخطوة التالية؛ لذا فإنَّ استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال العدالة الاجتماعية وتطبيق القانون أمر ممكن ومنطقي.

تقول الاستقراءات إنَّ الذكاء الاصطناعي سيحل قريباً محل مساعد المحامي والباحث القانوني، فهو يستطيع إجراء عمليات البحث بسرعة وكفاءة أكبر، كما أنَّه سيتولى مهمة جمع المعلومات من الموكلين والمستَجوبين، كون الدراسات تقول إنَّ الإنسان يتحدث بأريحية أكبر مع الآلة مقارنة بحديثه مع إنسان آخر فالآلة لا تحكم عليه، كما أنَّ إتمام عمليات النقاش والاستجواب باستخدام الذكاء الاصطناعي يساعد على رصد ردود أفعال المجرمين والشهود عندما يتحدثون، وهذا يسمح بالمقارنة بين أقوالهم وتعابيرهم، الأمر الذي يرفع احتمالات الوصول إلى النتائج الأفضل والأحكام العادلة.

من الجدير بالذكر أنَّ استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال العدالة الاجتماعية من قِبل المحامين والقضاة من شأنه أن يخفف التكاليف بالنسبة إلى الموكلين؛ وذلك لأنَّ الذكاء الاصطناعي الذي سيتولى مهمة الباحث القانوني أو مساعد المحامي سيساهم في الحصول على الأبحاث بسرعة أكبر، وهذا يقلل الوقت والجهد الذي يبذله المحامي، ومن ثم ستخف أجوره وتكاليف توكيله، وهذا يعني أنَّ المطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية أصبحت متاحة لفئة أوسع بعدما كانت محصورة بالفئة التي تستطيع تحمل تكاليف المحاماة الباهظة.

لكنَّنا يجب أن نشير إلى أنَّ القضاة والمحامين يتعاطون مع القضايا والادعاءات بطريقة إنسانية، فيأخذون في الحسبان الدوافع والاضطرابات والمسببات، ويفرضون أحكامهم بناء على تقديراتهم للحالات الفردية، وهذا لن تستطيع الآلة الجامدة والذكاء الاصطناعي الوصول إليه.

في الختام:

إنَّ دخول الذكاء الاصطناعي إلى جوانب الحياة البشرية حمل في طياته الكثير من الإيجابيات والرفاهية وتخفيف الأعباء، ولكنَّه في الوقت ذاته انطوى على العديد من السلبيات التي كان من أبرزها تسريح بعض العمال من وظائفهم وتقليل عمليات التواصل البشري وإفقاد الإنسان فطرته الاجتماعية السوية بفضل العزلة التي فرضها عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى