التحول الرقمي وفوائده وتحدياته

ناهيك عن ضياع كثير من الوقت في تنفيذ المهام بشكل يدوي، ومثال صغير عن ذلك هو العمليات المالية والمحاسبة، فهل لك أن تتخيل الفرق بين عملية الحساب سابقاً وحالياً بواسطة الأدوات الذكية؟

لم تعد توجد فرصة الاستمرار لبيئات العمل البطيئة في النمو والحركة؛ وذلك لأنَّنا في عصر التطورات السريعة والمليئة بالأحداث غير المتوقعة الإيجابية منها أو السلبية، فالأخطار كثيرة وأصبحنا بحاجة إلى وجود مرونة كبيرة في عمل المؤسسات، فلا يمكن نسيان أزمة كوفيد-19 وما فعلته في العالم، فقد تضررت كثير من الشركات التي تعتمد على العمل اليدوي.

لذلك أصبح التحوُّل الرقمي ضرورة ماسة لمختلف المؤسسات والشركات، فقد أثبت تأثيره الفعال في مختلف الصناعات والمجالات والأصعدة، ولاحظنا اتجاه أهم الشركات نحو التحوُّل الرقمي منذ سنوات عدة، مثل شركة “نيتفليكس” وشركة “نسبرسو” التي تمكَّن العملاء من الوصول إلى كافة خدماتها، وكذلك شركة “بيتزا دومينوز” التي نجحت في نقل نفسها إلى العصر الرقمي من خلال خدماتها الجديدة التي تعتمد على التكنولوجيا.

ما هو التحوُّل الرقمي؟

هو عملية تقوم بها الشركات والمؤسسات على اختلافها بتطبيقها لدمج مختلف مجالات العمل فيها مع التكنولوجيا الرقمية؛ إذ يتم الاعتماد على التقنيات الرقمية الحديثة، فينتج عن ذلك تغيرات وتحولات ثقافية وتشغيلية.

بشكل آخر يمكننا القول إنَّ التحوُّل الرقمي هو إعادة تصميم الأعمال بمختلف جوانبها لتتم الاستفادة من الواقع الرقمي إلى أقصى حد، فيتم إنشاء عمليات تجارية وتجارب جديدة للعملاء أو تعديل التجارب السابقة بحيث تواكب التطورات العصرية وتناسب تغيرات السوق، فننتقل من التعامل مع الأوراق إلى الاعتماد على التطبيقات الذكية في إدارة الأعمال.

لا يقتصر التحوُّل الرقمي على عملية التسويق والمبيعات؛ إنَّما يبدأ من تفكير الشركة بالعملاء وكيفية التعامل معهم، وحتى النشاطات التجارية الصغيرة من المفترض تحوُّلها إلى رقمية، فاستخدام الدفاتر والأوراق المكتوبة بخط اليد أمر غير مجدٍ ويبطئ من الحركة والنمو بشكل ملحوظ.

مصطلح “الرقمنة” أيضاً من المصطلحات المنتشرة بكثرة، لكن يجب التفريق بين الرقمنة والتحوُّل الرقمي؛ فالرقمنة هي عملية تحويل أيضاً، لكن تتعلق بالجوانب المادية في الأعمال، فيتم تحويل الأشياء المادية إلى رقمية ليتمكن نظام الكمبيوتر من استخدامها مثل تحديث الأنظمة القديمة، وأتمتة العمليات الورقية، ونقل النظام ليصبح متاحاً عبر الإنترنت.

ما هي الركائز التي يعتمد عليها التحوُّل الرقمي؟

يعتمد التحوُّل الرقمي على ركائز أساسية ضرورية لتكون عملية التحوُّل الرقمي فعالة، وأهمها ما يأتي:

1. التغيير:

لا يمكن أن يحدث التغير الرقمي دون التغير غير المتوقع في كثير من الأحيان، لذلك من الضروري توفُّر الأدوات اللازمة والبيئة المناسبة لتحقيق تحول رقمي ناجح.

2. الأفراد:

يجب ألا يشعر الموظفون بالخطر والتهديد من التحوُّل الرقمي؛ بل يجب دعم الأفراد والتأكيد على أهمية اعتماد التقنيات الحديثة والإخلاص في العمل بواسطتها لتحقيق النجاح، ويسبق ذلك التدريب الكافي وإنشاء فرص نمو للمواهب الموجودة.

3. الابتكار:

يبدأ التحوُّل الرقمي بالابتكار لتوليد أفكار مميزة، ويعتمد ذلك على وجود مساحة من الحرية والتواصل الفعال بين الموظفين ليتمكنوا من الوصول إلى أفكار مميزة يتم اختبارها على أرض الواقع، ومن ثم تُنفَّذ على نطاق واسع ليبدأ التحوُّل الفكري.

4. القيادة:

يجب أن يتبنى القائد فكرة التحوُّل الرقمي ويكون السباق إلى تنفيذها والتفكير بالمستقبل ليتمكن من إلهام الآخرين لتبنِّي الفكرة وفعل الشيء ذاته.

5. الثقافة:

تظهر ثقافة التحوُّل الرقمي بعد تبنِّي فكرته من قِبل القيادة والعمل على الابتكار، فانتشار ثقافته يجعل الجميع متحمساً إلى التحوُّل الرقمي، فلا يشكل الأمر ضغطاً لأحد، وسرعان ما تنجح العملية بهذه الطريقة.

شاهد بالفديو: وظائف لا يمكن للذكاء الاصطناعي القيام بها

لماذا يجب على المؤسسات والشركات التحوُّل إلى رقمي؟

بات التحوُّل الرقمي ضرورة من ضرورات العصر، فالفوائد التي يعود بها على المؤسسات والشركات كبيرة، وأبرزها:

1. تقديم رؤية واضحة:

عملية تقييم العائد للشركات والمؤسسات أو تقييم أداء العاملين عملية صعبة وعكسية سابقاً، ومن ثمَّ عملية اتخاذ القرارات المبينة على تلك النتائج أصعب، أما بعد التحوُّل الرقمي والحصول على خوارزميات التحليل القوية، تصبح عملية اتخاذ القرار مناسبة وفي الوقت المناسب، ويعتمد ذلك اعتماداً أساسياً على تحليل البيانات، فالبيانات متوفرة بكثرة، لكن تحتاج إلى أدوات صحيحة لتحليلها، وأثبت التحوُّل الرقمي المبني على أدوات الذكاء الاصطناعي قدرته على التأثير الإيجابي في عالم التجارة والأعمال.

2. الحصول على نتائج قابلة للقياس:

بفضل أدوات التحوُّل الرقمي أصبحت كل النتائج قابلة للقياس، وساهم ذلك في جعل عمل مديري المؤسسات والشركات أسهل وأدق، وأصبح بالإمكان تحديد الأهداف المرجوة من كل عمل ومشروع بصرف النظر عن المجال ليتمكن من وضع الخطة المناسبة ويقوم بتتبُّع النتائج بدقة ليتأكد من سير خطته بالشكل الصحيح.

3. رفع كفاءة العمل والإنتاجية:

تساهم أجهزة شبكة إنترنت الأشياء والآلات المتخصصة بتقديم ونقل سجل الأداء وتقارير تحليل البيانات والأداء باستمرار، التي يمكن الاعتماد عليها في معرفة الوضع الراهن والتنبؤ بالأخطار، ومن ثمَّ تقدِّم تصويراً دقيقاً عن العمل، فيساهم ذلك بجعل العمل أكثر كفاءة، ويزيد الإنتاجية من خلال الاحتياط من الوقوع في الأخطاء والابتعاد عن المخاطر.

4. تقليل التكاليف المادية:

ساهم استخدام الشركات والمؤسسات للتقنيات الحديثة إسهاماً فعالاً في تقليل التكاليف المادية؛ إذ منعت هدر كثير من المواد وحددت النسب الصحيحة لاستخدامها، ومن ثمَّ حافظت على الإنتاجية المرتفعة وقللت التكاليف في الوقت ذاته وخاصةً في هذه النواحي:

5. تحسين تجربة العملاء:

يُحدِث التحوُّل الرقمي فرقاً في تجربة العملاء؛ إذ يساهم في تلبية احتياجاتهم وفق الشروط المناسبة لهم وفي الوقت المناسب، ومن ثمَّ يساعد على الاحتفاظ بالعملاء وكسب ثقتهم والحصول على الولاء الكامل منهم.

6. تحسين مرونة العمل:

كان كوفيد-19 بمنزلة مرآة جعلت المديرين يرون نقاط الضعف في مؤسساتهم سواء في العمليات التجارية والتسويقية أم في سير عمل الشركة، وأكَّد على الحاجة الماسة إلى المرونة في العمل التي تسمح بمواجهة الاضطرابات ومقاومة العوائق، ويتم ذلك من خلال توفُّر أدوات تطوير سريعة للخدمات والمنتجات في الشركات، وأدوات تساهم بتوقُّع تغيرات السوق وتعمل على الحفاظ على مستوى الشركة بتغير الظروف المحيطة.

ما هي التحديات التي تواجه المؤسسات والشركات عند التحوُّل الرقمي؟

أكثر من 70% من عمليات التحوُّل الرقمي لا تنجح لكونها تحتاج إلى قوة تكفي لمواجهة التحديات، وأهم التحديات التي تعوق التحوُّل الرقمي ما يأتي:

1. الأفراد:

إن لم تركز بالشكل الكافي على نشر ثقافة التحوُّل الرقمي، فقد يفشل تحولك الرقمي فشلاً ذريعاً؛ إذ يمكن للأشخاص التقليل من أهمية التحوُّل الرقمي أو محاولة كسره، فعدم الاقتناع بالفكرة يؤدي إلى عدم الإخلاص لها.

2. التواصل الضعيف:

التحوُّل الرقمي لا يعني إلغاء التواصل بين المدير والفريق أو بين أفراد فريق العمل؛ بل يحتاج إلى تواصل مستمر، لكن بشكل مختلف عن السابق، ومن ثمَّ يترتب على التحوُّل الرقمي تغيير سياسة التواصل وعدم إهمال الموضوع.

3. غياب المراقبة والقياس:

لا يمكن جعل عملية التحوُّل الرقمي واضحة دون وجود معايير لقياس الأهداف ومراقبة سير خطة العمل ووجود مقاييس للأداء، ولأنَّ التحوُّل الرقمي يقوم على تغيير طريقة الأداء وممارسة الأعمال، فيجب تغيير أدوات القياس وتعيين مؤشرات للأداء يمكن من خلالها القياس بنجاح.

ما هي تطبيقات التحوُّل الرقمي في مختلف المجالات؟

يشمل التحوُّل الرقمي عدداً من الأدوات والتطبيقات التي يمكن الاعتماد عليها في مختلف المجالات لإحداث التغيير اللازم:

1. تقنيات الهاتف الجوال:

هي التقنيات التي تُستخدَم للتواصل مع العملاء ومنها تطبيقات تساعد على تحسين الإنتاجية.

2. إنترنت الأشياء:

يُستخدَم في الأجهزة التي تتصل بالإنترنت بشكل تلقائي وتجميع البيانات والمستشعرات الذكية.

3. التقنيات السحابية:

وخاصةً تقنية التخزين السحابي والحوسبة السحابية؛ إذ تؤدي هذه التقنيات دوراً هاماً في جعل العمل أسهل وأسرع من خلال السماح للشركة بالوصول إلى برامجها ووظائفها وكافة التحديثات الجديدة.

4. الذكاء الاصطناعي وتقنية تعلُّم الآلة:

لهما دور هام في تحليل البيانات واتخاذ القرارات الأفضل.

5. الواقع الافتراضي والواقع المعزز:

يُستخدَم بهدف المشاركة الشاملة لعملاء الشركة.

6. الروبوتات:

تتكون الأجهزة الروبوتية من أقسام آلية تقوم بكثير من الأعمال الفيزيائية والمهام المحددة، فتؤدي دوراً هاماً في تحسين الكفاءة التشغيلية.

في الختام:

أصبح التحوُّل الرقمي ضرورة لكافة الشركات والمؤسسات ولجميع مجالات العمل والتجارة، فأصبحت التكنولوجيا جزءاً لا يتجزأ من حياتنا، لذلك لا بد من اعتماد الشركات على التقنيات الرقمية الحديثة، وتبنِّي استراتيجيات التحوُّل الرقمي الذي يعتمد على ركائز أساسية هي الثقافة والأفراد والابتكار والقيادة أيضاً.

يعود التحوُّل الرقمي بكثير من الفوائد على المؤسسات أهمها خفض التكاليف، وزيادة الإنتاجية في الوقت نفسه، وتأمين الرؤية الواضحة التي تضمن النجاح في تجاوز العقبات، وتفادي المخاطر، إضافة إلى المرونة التي تساعد الشركة على المحافظة على مستواها باختلاف الظروف المحيطة، لكن يواجه التحوُّل الرقمي بعض المخاطر مثل غياب القياس وضعف التواصل أو عدم تبنِّي الأفراد للفكرة والإخلاص لها.